آخر الفيسبوك

إنستغرام

خطبة الجمعة

الـنَّـهْضَةُ وَبِنَاءُ الوَطَنِ وَالإِنْسَانِ

الْحَمْدُ للهِ الكَرِيمِ المَنَّانِ، هَدَانَا لِدِينٍ يَحُثُّنَا عَلَى الرُّقِيِّ بِالمُجتَمَعِ وَعِمَارَةِ الأَوْطَانِ، أَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ بِمَا هُوَ لَهُ أَهْـلٌ مِنَ الحَمْدِ وَأُثْنِي عَلَيْهِ، وَأُومِنُ بِهِ وَأَتَوكَّلُ عَلَيْهِ، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَن لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، فَطَرَ الإِنْسَانَ عَلَى حُبِّ الوَطَنِ، وَأَمَرَهُ بِشُكْرِ مَا وَهَبَهُ فِيهِ مِنَ النِّعَمِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، وَصَفِيُّهُ مِنْ خَلْقِهِ وَخَلِيلُهُ،  وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَعَلَى كُلِّ مَنْ سَارَ عَلَى نَهْجِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ، وَاعلَمُوا - رَحِمَكُمُ اللهُ - أَنَّ حُبَّ الوَطَنِ لَيْسَ مُجَرَّدَ مَشَاعِرٍ تَعتَلِجُ فِي النُّفُوسِ، وَتُخَالِطُ القُلُوبَ، بَلْ هُوَ خَالِصُ الانْتِمَاءِ، وَصَادِقُ الوَفَاءِ، يَتَجَسَّدُ فِي وَاقِعٍ يُعَايِشُهُ المُؤْمِنُ، وَيُتَرْجَمُ فِي عَطَاءٍ لا أَنَانِيَّةَ فِيهِ وَلا مِنَّةَ، فَمَا يَبذُلُهُ المُسلِمُ مِنْ أَجْـلِ نَهْضَةِ مُجتَمَعِهِ وَرُقِيِّ وَطَنِهِ، مَا هُوَ إِلاَّ رَدٌّ لِلْجَمِيلِ وَاعتِرَافٌ بِالفَضْـلِ،إِنَّ هَذَا الوَطَنَ المِعْطَاءَ، إِنَّمَا قَامَتْ نَهْضَتُهُ عَلَى سَوَاعِدَ مُخلِصَةٍ، وَأَيْدٍ أَمِينَةٍ، وَاشْتَدَّ عُودُهُ بِسَهَرٍ مِنْ أَعْيُنٍ تُكِنُّ لَهُ كُلَّ الوَفَاءِ، وَقُلُوبٍ لَهُ فِيهَا عَظِيمُ الانْتِمَاءِ، حَتَّى أَصْبَحَ كَمَا تَرَوْنَ، وَبِتَقَدُّمِهِ تَشْهَدُونَ وَتَذْكُرُونَ، فَهَلاَّ أَدْرَكْنَا هَذِهِ النِّعْمَةَ، وَوَعَيْـنَا مَكَانَتَهَا وَقِيمَتَهَا، ثُمَّ رَفَعْـنَا إِلَى اللهِ أَكُفَّ الضَّرَاعَةِ وَالدُّعَاءِ أَنْ يُدِيمَهَا وَيُبَارِكَ فِيهَا، وَرَبُّنَا ذُو كَرَمٍ وَعَطَاءٍ، يُنْعِمُ وَيَزِيدُ، وَيُعْطِي فَوْقَ مَا نُرِيدُ، بَيْدَ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ جَعَلَ لِكُلِّ شَيْءٍ أَسْبَابَهُ، وَرَهَنَ بَقَاءَ النِّعَمِ بِالاعتِرَافِ بِهَا، وَزِيَادَتَها بِحُسْنِ شُكْرِهَا، وَلَقَدْ قَرَأْتُمْ قَوْلَ الحَقِّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى:، فَهَلاَّ شُكْرًا يَتَعَدَّى القَوْلَ بِاللِّسَانِ، إِلَى العَمَلِ الجَادِّ بِالجَوَارِحِ وَالأَرْكَانِ، بِتَعَاوُنِ كُلِّ الجُهُودِ المُخلِصَةِ، وَاجتِمَاعِ أَيْدِي أَبنَاءِ الوَطَنِ الفَتِـيَّةِ، بَدْءًا مِنْ مَعْرِفَةِ كُلٍّ مَوقِعَهُ وَمَكَانَهُ، وَإِدْرَاكِ الوَاجِبَاتِ وَالاخْتِصَاصَاتِ، حَتَّى يَبذُلَ كُلٌّ جُهْدَهُ، وَيَستَفْرِغَ وِسْعَهُ فِي تَقْدِيمِ مَا لَدَيْهِ مِنْ إِمْكَانَاتٍ، وَإِبْرَازِ مَا وَهَبَهُ اللهُ مِنْ مَوَاهِبَ وَقُدرَاتٍ، بِكُلِّ إِخْلاصٍ وَشَفَافِيَةٍ، فَالهَدَفُ وَاحِدٌ، وَالوَطَنُ شَاهِدٌ، وَلَنْ يُضِيعَ اللهُ عَمَلَ عَامِلٍ جَعَلَ هَمَّهُ رِفْعَةَ وَطَنِهِ وَرَاحَةَ مَنْ حَولَهُ، ((فَخَيْرُ النَّاسِ أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ)).
إِخْوَةَ الإِيْمَانِ:
إِنَّ مَنْ يَسْعَى لِتَقَدُّمِ مُجتَمَعِهِ، وَيُرِيدُ الخَيْرَ لِوَطَنِهِ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَجْعَلَ نُصْبَ عَينَيْهِ، تَقْوَى اللهِ فِيمَا ائْتَمَنَهُ عَلَيْهِ، فَالتَّقْوَى أَسَاسُ كُلِّ بِنَاءٍ، وَسَبَبُ كُلِّ رَخَاءٍ، بِهَا تُنَالُ الرَّحَمَاتُ، وَتَنْزِلُ البَرَكَاتُ، ويَكْثُرُ القَلِيلُ، وَيُبَارَكُ فِي الكَثِيرِ، وَهَذَا وَعْدُ اللهِ، يَقُولُ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ:إِنَّ التَّقْوَى لَتَحْـتِمُ عَلَى كُلِّ مَنْ يَعِيشُ عَلَى تُرَابِ الوَطَنِ، أيًّا كَانَ مَوقِعُهُ وَاخْتِصَاصُهُ، أَنْ يَحْرِصَ عَلَى مُمْـتَلَكَاتِ الوَطَنِ العَامَّةِ، أَكْثَرَ مِنْ حِرْصِهِ عَلَى مَالِهِ الخَاصِّ، فَإِنَّهَا رَعِيَّةٌ كَبِيرَةٌ، وَمَسْؤُولِيَّةٌ عَظِيمَةٌ فِي عُنُقِ كُلِّ مُوَاطِنٍ صَالِحٍ، فَهَنِيئًا لِهَذَا الوَطَنِ بِرِجَالٍ تَدَرَّعُوا بِالوَرَعِ وَالعِفَّةِ، فَقَصَرَتْ أَيْدِيهِمْ عَمَّا لَيْسَ لَهُمْ، وَأَكْرَمَ اللهُ وُجُوهًا لَمْ تَشْرَئِبَّ أَعنَاقُهَا لِغَيْرِ مَا كَتَبَ اللهُ لَهَا، وَلَمْ يَستَهِينُوا بِالقَلِيلِ وَقَدْ وَعَتْ قُلُوبُهُمْ قَوْلَ اللهِ تَعَالَى:وَقَوْلَ المُصْطَفَى صَلَوَاتُ رَبِّي وَسَلامُهُ عَلَيْهِ: ((مَنِ استَعْمَلْنَاهُ عَلَى عَمَلٍ فَرَزَقْنَاهُ رِزقًا فَمَا أَخَذَ بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ غُلُولٌ))، وَأَنْعِمْ بِمُوَاطِنٍ أَدْرَكَ حَقِيقَةَ أَنَّ الإِسْرَافَ يَستَنْزِفُ الأَمْوَالَ، ويُبَدِّدُ الثَّرَوَاتِ، فَنَأَتْ بِهِ تَقْوَى اللهِ عَنِ التَّبذِيرِ، فَاتَّخَذَ بَيْـنَهُ وَبَيْنَ التَّقْتِيرِ سَبِيلاً، وَلَقَدْ وَسَّعَ اللهُ لَكُمْ بِحَمْدِهِ فِي الوَطَنِ خَيْرَاتِهِ، وَبَسَطَ لَكُمْ مِنْ ثَرَوَاتِهِ، وَوَكَلَ إِلَيْـكُمْ أَمْرَ المُوَازَنَةِ وَالتَّدْبِيرِ، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى:وَيَقُولُ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ:.
أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ:
إِنَّ مَا نُعَايِشُهُ بِحَمْدِ اللهِ عَلَى تُرَابِ هَذَا الوَطَنِ مِنْ نِعْمَةِ الأَمْنِ، وَمَا يَجِدُهُ المُوَاطِنُ وَالمُقِيمُ مِنْ سِلْمٍ وَطُمَأْنِينَةِ بَالٍ، لَهُوَ نِعْمَةٌ جَلِيلَةٌ، وَهِبَةٌ طَيِّبَةٌ، أَلاَ تَرَوْنَ كَيْفَ امتَنَّ اللهُ بِهِا عَلَى أَهْـلِ مَكَّةَ فَقَالَ:وَتَأَمَّـلُوا - رَحِمَكُمُ اللهُ - دُعَاءَ سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ-:وَقَولَهُ: تَجِدُوهُ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - مُدْرِكًا لِقِيمَةِ الأَمْنِ فِي البَلَدِ، سَائِلاً رَبَّهُ أَنْ يُمِدَّ أَهْـلَهُ بِأَسْبَابِ الاستِقْرَارِ، فَجَدِيرٌ بِنَا أَنْ نُدْرِكَ قِيمَةَ هَذِهِ النِّعْمَةِ الَّتِي رُبَّمَا يَفْتَقِرُ إِلَيْهَا الكَثِيرُونَ فِي أَرْجَاءِ المَعْمُورَةِ، وَحَرِيٌّ بِنَا أَنْ نُحَافِظَ عَلَى هَذَا الأَمْنِ المُستَتِبِّ، وَأَنْ نَقِفَ فِي وَجْهِ كُلِّ مَا مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُزَعْزِعَ هَذَا الاستِقْرَارَ، كَتَلْفِيقِ الأَخْبَارِ وَنَقْلِ الشَّائِعَاتِ، فَقَدْ رَبَّى الإِسْلامُ أَتْبَاعَهُ عَلَى حُسْنِ التَّثَـبُّتِ مِنَ الأَخْبَارِ، وَبَيَّنَ أَنَّ فِي ذَلِكَ مِنَ الأَثَرِ مَا يُوقِعُ الضَّرَرَ، وَيُورِثُ الحَسْرَةَ وَالنَّدَمَ، يَقُولُ الحَقُّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: وَإِذَا كَانَ هَذَا الأَمْرُ مَنْهِيًّا عَنْهُ فِيمَا يُتَنَاقَلُ عَنِ الأَشْخَاصِ، وَيُؤَثِّرُ فِي الأَفْرَادِ؛ فَكَيْفَ بِمَا يَمتَدُّ أَثَرُهُ إِلَى المُجتَمَعِ بِأَسْرِهِ، أَوْ يَنْعَكِسُ سَلْبًا عَلَى أَمْنِ الوَطَنِ وَاستِقْرَارِهِ؟ إِنَّ مِنْ أَخْلاقِ دِينِكُمْ أَنْ يَنْأَى المُسلِمُ بِنَفْسِهِ عَنْ القِيلِ وَالقَالِ، كَمَا وَرَدَ عَنِ المُصْطَفَى  أَنَّهُ ((نَهَى عَنْ قِيلَ وَقَالَ، وَكَثْرَةِ السُّؤَالِ، وَإِضَاعَةِ المَالِ))، وَمَا ذَاكَ إِلاَّ لأَنَّ الإِنْسَانَ إِذَا حَدَّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ كَثُرَتْ عَثَرَاتُهُ، وَخَلَطَ الصَّوَابَ بِالخَطَأِ، وَنَقَلَ مَا وَافَقَ الحَقَّ وَمَا جَانَبَهُ، فَوَقَعَ فِي الكَذِبِ - وَالعِيَاذُ بِاللهِ - وَقَدْ قَالَ : ((كَفَى بِالمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ))، فَطُوبَى لِمُجتَمَعٍ وَعَى أَبنَاؤُهُ أَمَانَةَ الكَلِمَةِ، وَكَانُوا عَلَى قَدرِ المَسْؤُولِيَّةِ، وَهَنِيئًا لَكُمْ حِرْصُكُمْ عَلَى أَمْنِ مُجتَمَعِكُمْ، وَنَأْيُكُمْ عَنْ سَبِيلِ المُرْجِفِينَ.
فَاتَّقُوا اللهَ - عِبَادَ اللهِ -، وَلْيَكُنْ لَكُمْ مِنْ تَقْوَاكُمْ دَافِعٌ لِلإِسْهامِ فِي خِدْمَةِ مُجتَمَعِكُمْ، وَبِنَاءِ وَطَنِكُمْ، وَالارتِقَاءِ بِأَنْفُسِكُمْ.
أقُولُ قَوْلي هَذَا وَأسْتغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لي وَلَكُمْ، فَاسْتغْفِرُوهُ يَغْفِرْ لَكُمْ إِنهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ، وَادْعُوهُ يَسْتجِبْ لَكُمْ إِنهُ هُوَ البَرُّ الكَرِيْمُ.
*** *** ***
الْحَمْدُ للهِ الَّذِي أَمَرَ بِالإِصْلاحِ وَنَهَى عَنِ الإِفْسَادِ، وَحَثَّ عَلَى رِعَايَةِ مَصَالِحِ العِبَادِ، وَرَغَّبَ فِي عِمَارَةِ البِلادِ، أَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ فَهُوَ لِلْحَمْدِ أَهْـلٌ، وَأَشْكُرُهُ عَلَى وَاسِعِ المِنَّةِ وَالفَضْـلِ، وَأَشْهَدُ أَن لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَاشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، أَمَرَ بِشُكْرِ المُحْسِنِينَ، وَالتَّعَاوُنِ عَلَى مَا فِيهِ خَيْرُ النَّاسِ أَجْمَعِينَ،  وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.