إن النفوس السوية قد جبلت على حب من يحسن إليها وعلى التعلق به، ولا أحد أكثر إحساناً وأشمل من الله عز وجل، قال تعالى: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} [إبراهيم: 34]،
وقال: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} [النحل: 18]، فكان لزاماً على المؤمنين أن يشكروا ربهم على ما أعطاهم، لأن النفوس الكريمة تقابل من يحسن إليها بالشكر.
وحقيقةُ الشكر الاعترافُ بالإحسان والفضلِ والنّعَم وذِكرُها والتحدُّث بها وصَرفهافيما يحبّ ربُّها ويرضَى واهبها. شُكرُ العبد لربِّه بظهورِ أثَر نعمتِه عليه،فتظهَر في القلب إيمانًا واعترافًا وإِقرارًا، وتظهَر في اللسان حمدًا وثناءوتمجيدًا وتحدّثًا، وتظهَر في الجوارح عبادةً وطاعة واستعمالاً في مَراضي اللهو مُباحاتِه.
إذا ما امتَلأ القلبُ شُكرًا واعتِرافًا ورَصدًا للنّعَم ظهر ذلك نطقًا ولهجًا بذكرالمحامِد.
لأن الشكر كما قال ابن القيم شكران: (شكر العامة؛ على المطعم والمشرب والملبس وقوت الأبدان، .وشكر الخاصة؛ على التوحيد والإيمان وقوت القلوب) مدارج السالكين 2/245.
فهو كما قال ابن القيم: (يكون بالقلب خضوعاً واستكانة، وباللسان ثناء واعترافاً، وبالجوارح طاعة وانقياداً) مدارج السالكين 2/246.
استعرِضوا على سبيلِ المثالِ: أوّلَ ما يستيقِظُ العبدُ من منامِه يبادر بهذاالذّكر الجميل الرقيق معلِنًا الاعترافَ بالفضل والنّعمة والشّكر للمنعِم المتفضّلقائلاً: الحمد لله الذي عافاني في جسدِي وردَّ عليَّ روحي وأذِن لي بذكرِه، ويقول: اللّهمّ ما أصبح بي من نِعمة أو بأحدٍ مِن خلقك فمنك وحدَك لا شريكَ لك فلَك الحمدولك الشكر.
قال تعالى : ولقد مكناكم في الأرض وجعلنا لكم فيها معايش قليلا ما تشكرون{الأعراف:10}،
قال تعالى :قل هوالذي أنشأكم وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون{الملك:23}
قال تعالى :والله جعل لكم من بيوتكم سكنا وجعل لكم من جلود الأنعام بيوتا تستخفونها يوم ظعنكم ويوم إقامتكم ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثا ومتاعا إلى حين والله جعل لكم مما خلق ظلالا وجعل لكم من الجبال أكنانا وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر وسرابيل تقيكم بأسكم كذلك يتم نعمته عليكم لعلكم تسلمون فإن تولوا فإنما عليك البلاغ المبين يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها وأكثرهم الكافرون النحل:80-83
فالنعم أنواع منوعة: نعمة الصحة في البدن والسمع والبصر والعقل وجميع الأعضاء، وأعظم من ذلك وأكبر: نعمة الدين والثبات عليها والعناية بها والتفقه فيها، قال تعالى:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِينًا} ،سورة المائدة الآية 3
وقد صح في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه))فقد يفعل الإنسان ذنبا يحرم به من نعم كثيرة. قال تعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} سورة الشورى من الآية 30.
وقال جل وعلا: {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} سورة النساء الآية 79.
الآية، وقال سبحانه:{ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} ،سورة الروم من الآية 41
قال تعالى: {وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ} [لقمان: 12]، ثم إنه سبحانه وتعالى يجازي على الشكر بالمزيد، قال عز وجل: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [إبراهيم: 7]،
بقوله: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ} [القصص: 58].
قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آَيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ(15) فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ(16) ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ} [سبأ: 15-17]
قال رجل لأبي حازم : ما شكر العينين؟فقال : إن رأيت بهما خيرًا أعلنته ، و إن رأيت بهما شرًّا سترته.
قال الرجل : فما شكر الأذنين ؟قال : إن سمعت بهما خير وعيته ، وإن سمعت بهما شرًّا دفنته.
قال الرجل : فما شكر اليدين ؟قال أبوحازم : لا تأخذ بهما ما ليس لك ، و لا تمنع حقًّا لله هو فيهما.
قال الرجل: و ما شكر البطن ؟قال : أن يكون أسفله طعامًا ، و أعلاه علمًا.
قال الرجل : فما شكر الرجلين ؟ كل طريق تذهبه يكون فى الخير وذاكر للهوشاكر له
فمن يشكر بلسانه و لم يشكر بجميع أعضائه فمثله كمثل رجل له كساءأخذ بطرفه و لم يلبسه فلم ينفعه ذلك من الحر و البرد و الثلج و المطر
يحكى أن رجلا من بني إسرائيل على عهد سيدنا موسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام كان غنيا ، وكان الرجل كريما سمحا ولكن مشكلته في غناه الفاحش.
فشكى غناه إلى نبي الله موسى ، وطلب منه أن يسأل ربه تخفيف الغنى عنه .. وبعد مدة عاد الرجل وقد زاده ثراءه ثراءً ، وشكا إلى نبي الله حاله .. فأجابه نبي الله : سألت الله فأوحى إلي أن يا موسى:
عبدي يشكر نعمتي ، فكلما أراد أن يأكل يربط إلى عنقه منديلا وجعل ما يسقط منه في المنديل ومن ثم يأكله ولا يلقي به. فبشكره نعمتي أزيد عليه نعمي.
ورد أنه كان هناك رجل مبتلي في بني إسرائيل وسمعوه يقول : الحمد لله الذي عافانيمما ابتلي به كثيراً من الناس وفضلني علي كثير ممن خلق تفضيلاً ، وعندما سألوه علامتشكر الله ؟ قال أشكر الله أن جعلي لي قلباً شاكراً ولساناً ذاكراً وجسداً عليالبلاء صابراً
انظر إلي الأنبياء الذين هم أفضل الناس كيف كانت مكانة الشكر عندهم يقول الله تعالي عن سيدنا إبراهيم في سورة الإسراء:" إن ابراهيم كان أمةقانتاً لله حنيفاً ولم يك من المشركين(120) شاكراً لأنعمه اجتباه وهداه إلى صراطمستقيم(121)
يقول عن سيدنا نوح: ذُرِّيَّةَمَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْداً شَكُوراً الإسراء3
وكان نبينا الكريم يقول دبر كل صلاة:
"اللهم أعنّي علي ذكرك وشكرك وحسن عبادتك"وكان يشكر الله آناءالليل وأطراف النهار وكان يقول:" أفلا أكون عبداً شكورا!"
وقد جاء الأمر بالشكر في القرآن حيث يقول الله عز وجل في سورة البقرة:" فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون"(152)
" ياأيهاالذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون"(172)
وفي السنة يقول صلى الله عليه وسلم: " التحدث بنعمة الله شكر وتركه كفر ومن لم يشكر القليل لا يشكر الكثير" الحديث عند البيهقي
ويقول:" إن الله ليرضي عن العبد يأكل الأكلة فيحمده عليها، ويشرب الشربة فيحمده عليها"
جعل الله الشكر سبب للنعمة ففي الآية
( وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) النحل78
أي أن كل هذه النعم أعطانا الله إياها لكي نشكره عليها ولكن قليلاً ما نشكر
وآخر دعونا أن الحمد لله رب العالمين
آخر الفيسبوك
إنستغرام